الباب الثالث في المراثي

رثاء داود الطائي

42 لما مات داود الطائي تكلم ابن السماك مثنياً عليه فقال: إن داود نظر إلى ما بين يديه من آخرته فأغشى بصر القلب بصر العين فكأنه لم ينظر إلى ما إليه تنظرون. وكأنكم لم تنظروا إلى ما إليه نظر. وأنتم منه تعجبون وهو منكم يعجب. فلما رآكم مفتونين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولكم وأماتت بحبها قلوبكم استوحش منكم. فكنت إذا نظرت إليه حسبته حياً وسط أموات. ويا داود ما أعجب شأنك بين أهل زمانك أهنت نفسك وإنما تريد إكرامها وأتعبتها وإنما تريد راحتها. أخشنت المطعم وإنما تريد طيبه. وخشنت الملبس وإنما تريد لينه. ثم أمت نفسك قبل أن تموت وقبرتها قبل أن تقبر. وعذبتها قبل أن تعذب سجنت نفسك في بيتك ولا محدث لها لولا جليس معها. ولا فراش تحتك ولا ستر على بابك. ولا قلة تبرد فيها ماءك ولا صحفة يكون فيها غداؤك وعشاؤك. يا داود ما تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه ولا من اللباس لينه بلى ولكن زهدت فيه لما بين يديك. فما أصغر ما بذلت وما أحقر ما تركت في جنب ما رغبت وأملت. لم تقبل من الناس عطية ولا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015