وبينه مؤانسة. فقلت له: يا راهب لمن تعبد. فقال: أعبد الله الذي خلق العالم بقدرته. وألّف نظامه بحكمته. وقد حوت عظمته كل شيء. لا تبلغ الألسن وصف قدرته. ولا العقول لج رحمته. له الشكر على نتقلب فيه من نعمته التي صحت بها الأبصار. ورعت بها الأسماع. ونطقت بها الألسن. وسكنت بها العروق وامتزجت بها الطبائع. فقلت: يا راهب ما أفضل الحكمة. فقال: خوف الله. فقلت: وما أكمل العقل. قال: معرفة الإنسان بقدرته. قلت: ما يعين على التخلص من الدنيا. قال: أن تجعل بقية يومك انقضاء أملك. فقلت: وما حملك على أن عقلت على نفسك في هذه الصومعة. فقال: لأحبس هذا السبع عن الناس (وأومأ بيد إلى لسانه) . قلت: من أين تعيش. قال: من تدبير اللطيف الخبير الذي خلق الرحى وهو يأتيها بالطحين. قلت: لم لا تنزل إلينا وتخالطنا. فقال: لأن الأشياء الموبقة بأسرها بينكم والسلامة من ذلك إنما تكون في الوحدة. قلت: وكيف صبرت على الوحدة. فقال: لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك. قلت: كيف لبست السواد. فقال: لأن الدنيا دار مأتم وأهلها في حداد. وإذا حزنت لبست السواد. فقلت: كيف تذكر الموت. فقال: ما أطرف طرفة عين إلا ظننت أني مت. قلت: ما لنا نحن نكره الموت. فقال: لأنكم عمرتم دنياكم وأخربتم آخرتكم. فأنتم تكرهون النقلة من العمران

طور بواسطة نورين ميديا © 2015