فلذلك زاحمتهم في كلامهم. وشاركتهم في طعامهم. فأتشبه بهم وإن لم أكن منهم. وأتخلق بهم وأخاطبهم لا أرغب عنهم. فغلت قيمتي. إذ علت همتي. فأحلوني محل النديم. وألف بيني وبينهم السميع العليم. فأذكر كما يذكرون. وأشكر كما يشكرون:
اختبر حالي تجدني ... من أصح الناس مخبر
أنا قد أحببت قوماً ... شرفوا معنى ومنظر
كبروا قدراً وذكراً ... فهم أزكى وأطهر
(قال) : فلما سام نفسه بهذا السوم. وجلس في صدر مجالس القوم. قلت ما رأيت كاليوم. البهائم في اليقظة وأنا في النوم. فمالي لا أزاحم على أبواب ذي المراحم. لعله يوهب مرحوم لراحم. ويقال: مرحباً بالقادم. ها قد وهبنا الجناية للنادم.
(قال) : فقلت: تالله لقد فاز أهل الخلوات. وامتاز أهل الصلوات. ومنع من الجوار أهل الغفلات. فعند ذلك نادى الديك. كم أناديك. وأنت في تعاميك وتغاشيك. جعلت الأذان لي وظيفة. أوقظ به من كان نائماً كالجيفة. وأبشر الذين يدعون ربهم تضرعاً وخيفة. وفي إشارة لطيفة. أصفق بجناحي بشراً للقيام. وأعلن بالصياح تنبيهاً للنيام. فتصفيق الجناح. بشرى بالنجاح. وترديد الصياح. دعاء للفلاح. لا أخل بوظيفتي ليلاً ولا نهاراً. ولا أغفل عن