للين القلوب، فثُم هنا للاستبعاد كما قاله بعض العلماء، ونظيره من إتيان {ثُمَّ} للاستبعاد قوله تعالى في أول سورة الأنعام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]؛ لأن مَنْ خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور يُستبعَد جدًّا أنْ يُجعَل له عديلٌ ونظير.
ونظير {ثُمَّ} للاستبعاد من كلام العرب قولُ الشاعر:
ولا يكشفُ الغمَّاءَ إلا ابنُ حُرَّةٍ ... يرى غمراتِ الموتِ ثم يَزُورها
لأنَّ مَنْ رأى غمرات الموت تُستبعد منه زيارتها.
والإشارة في قوله: {ذَلِكَ} عائدة إلى ما ذكر من إحياء القتيل لمَّا ضُرب بالجزء من البقرة الميتة، ومعنى قسوة القلوب: شِدَّتها وصلابتها حتى لا يدخلها خير؛ لأن الشيءَ القاسي ليس بقابلٍ لدخول شيء فيه، فقلوبهم صلبة شديدة نابية عن الخير لا يدخلها وعظ ولا ينجح فيها خير، والسَّبب الذي قست به قلوبُهُم نَهَى الله عن ارتكابه المسلمين في قوله: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].