كان السلف رضي الله عنهم أحرص الناس على أوقاتهم، وكانوا يبخلون بالوقت والنفس أن ينفق في غير طاعة الله عز وجل، وكانوا أشد بخلاً بذلك من أشد الناس بخلاً بماله.
وكانوا يعدون خصال الخير ويبكون على أنفسهم إن فاتهم شيء منها.
دخل بعضهم على عابد مريض فنظر إلى قدميه وبكى وقال: ما اغبرتا في سبيل الله.
وقال أحدهم: أعد ثلاثين خصلة من خصال الخير ليس في شيء منها.
وقال بعضهم لأحد العلماء: قف أكلمك، فقال: أوقف الشمس، أوقف الشمس.
وكان أحد العلماء إذا زاره الناس وجلسوا عنده وأطالوا الجلوس قال: أما تريدون أن تقوموا؟! إن ملك الشمس يجرها لا يفتر.
فكانوا يجتهدون في طاعة الله عز وجل ولا يفوتون وقتاً بغير طاعة، فملئوا حياتهم عبادة وطاعة لله عز وجل، بل وتمنوا لو أنهم واصلوا العبادة بعد الموت، كما كان ثابت البناني يقول: يا رب! إن أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي.
وكان يزيد الرقاشي يبكي ويقول: يا يزيد! من يبكي بعد لك، من يترضى ربك عنك.
ودخلوا على الجنيد وكان يصلي وكان في النزع فقالوا له: الآن! قال: الآن تطوى صحيفتي.
ودخلوا على أبي بكر النهشلي وكان صائماً وكان في النزع فقالوا له: اشرب قليلاً من الماء، فقال: حتى تغرب الشمس.
وبكى أحد الصالحين عند موته فسئل عن سبب بكائه فقال: أبكي لأن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم.
فهو يبكي لأنه يفارق الدنيا فيصوم الصائمون وليس هو فيهم، ويصلي المصلون وليس هو فيهم، ونحن والله في الدنيا يصوم الصائمون ولسنا فيهم، ويصلي المصلون ولسنا فيهم.
فأين وصفنا من هذه الأوصاف؟ وأين شجرة الزيتون من شجر الصفصاف؟ لقد قام القوم وقعدنا، وجدوا في الجد وهزلنا، ما بيننا وبين القوم إلا كما بين اليقظة والنوم.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس السليم إذا مشى كالمقعد فأماكن تعبدهم باكية، ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية، زال التعب وبقي الأجر، ذهب ليل النصب وطلع الفجر، يا ديار الأحباب! أين السكان؟ يا منازل العارفين! أين القطان؟ يا أطلال الوجد! أين البنيان؟ إن كنت تنوح يا حمام البان للبين فأين شاهد الأحزان أجفانك للدموع أم أجفاني لا يقبل مدع بلا برهان ونحن إنما ينطبق علينا -عباد الله- قول القائل: يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد! وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد! يا من يسمع ما يلين الجوامد وطرفه جامد! وقلبه أقسى من الجلامد! إلى متى تدفع التقوى عن قلبك؟ وهل ينفع الطرق في حديد بارد؟! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.