لقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان كما رغب في صيامه، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة الكرام غير ليلة، فقد صلى ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى في الليل التالية فصلى بصلاته ناس، فلما كانت الليلة الثالثة أو الرابعة ضاق المسجد بأهله فترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إليهم وقال: (صلوا أيها الناس! في بيوتكم)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن يفرض على الناس قيام رمضان، أو يشترط لصحة القيام أن يكون في المسجد، فقال: (صلوا أيها الناس! في بيوتكم).
فلما كانت الدولة العمرية خرج عمر رضي الله عنه فرأى الرجل يصلي لنفسه، والرجل يصلي فيصلي بصلاته الرجل، والرجل يصلي فيصلي بصلاته الرهط، فقال: لو جمعتهم على قارئ واحد لكان أعجب.
فجمعهم على أبي بن كعب وتميم الداري، فكان أبي بن كعب وتميم الداري يتناوبان القيام بالصحابة الكرام في الدولة العمرية.
وقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل.
ولم يقصد عمر رضي الله عنه البدعة من حيث الشرع، ولكن أراد البدعة اللغوية، وإلا فقيام الليل في المساجد في رمضان من السنة؛ لترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان، ولصلاته بالصحابة الكرام غير ليلة، ولكنه ترك الخروج إلى الناس؛ لأن الزمن كان زمن تشريع، فلما زالت هذه الخشية جمع عمر رضي الله عنه الصحابة على قارئ واحد في المسجد، وأقره بقية الصحابة على ذلك، وعلى ذلك استمر عمل الأمة.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دلنا على سنة الخلفاء الراشدين فقال: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)، فسنة عمر رضي الله عنه من سنته صلى الله عليه وسلم، لأنه قال: (عضوا عليها)، ولم يقل: عليهما، لأنهم كانوا أعلم الناس بالسنة وأحرص الناس عليها وعلى اتباعها.
فمن السنة قيام رمضان واجتماع الناس على القيام في المساجد بعد صلاة العشاء، ونحن نتدرب بقيام رمضان على هذه العبادة التي هي من أجل العبادات، وهي قيام الليل.