وأكثر الناس يعرف كيف يتاجر في الدنيا، ولكن القليل منهم من يعرف كيف يتاجر مع الله عز وجل، فنحتاج أن نتعرف على فقه التجارة مع الله عز وجل.
فمن فقه التجارة مع الله عز وجل أن يستصحب العبد الإخلاص في كل قول وعمل؛ لأن الله تعالى اشترط الإخلاص، فقال: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3].
وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه).
فينبغي أن نستصحب الإخلاص في كل عبادة، وفي كل قول وعمل.
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل: أن يتاجر العبد بالمباحات مع الله عز وجل؛ لأن العمل المباح لو توافرت فيه نية صالحة فإنه يصير من الطاعات، ومن القربات، فلو نام العبد بنية صالحة من أجل أن يقوم من آخر الليل، أو يقوم لصلاة الفجر وأذكار الصباح، فإنه يؤجر على ذلك، كما قال معاذ: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
فالطالب يذاكر من أجل أن يرضي والديه، ومن أجل أن ترتفع رتبته ووجاهته في الدنيا، ومن أجل أن تقبل دعوته ونصيحته.
فالذي يسعى للمعاش يسعى من أجل أن يكفي نفسه وأولاده ذل السؤال، ومن أجل أن يقوم بالواجب عليه من النفقة على زوجته وأولاده، فكل عمل مباح يستطيع العبد أن يستحضر فيه نية صالحة، فيصير من القربات والطاعات، فيتاجر العبد بالمباحات مع الله عز وجل.
كذلك أن يستحضر العبد في العمل الواحد نيات كثيرة صالحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) أي: أصل قبول العمل بتوافر النية الصالحة، ثم قال: (وإنما لكل امرئ ما نوى).
وكما يقولون: الأصل في الشرع التأسيس، يعني: أن يؤسس قواعد جديدة، فليس قوله: (إنما لكل امرئ ما نوى) تكرار للقاعدة الأولى، ولكنها تأسيس لقاعدة جديدة، وهي أن ثواب العامل على عمله بمقدار ثواب النيات التي يجمعها العامل في هذا العمل: (وإنما لكل امرئ ما نوى) فيجمع العبد في العمل الواحد نيات كثيرة صالحة.
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل: أن يتأكد العبد أن أعماله وأقواله مطابقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
فكل عمل لا يندرج تحت شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تكون سنة النبي صلى الله عليه وسلم حاكمة عليه بالصحة فهو مردود على صاحبه، وغير مقبول، فيشترط أن يكون العمل مطابقاً للسنة.
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل: أن يجتهد العبد في أن يكون العمل سراً بينه وبين الله عز وجل، فإن هذا أدعى لحفظ العمل وأدعى لقبول العمل.
فهناك أعمال لا بد أن تظهر، كالدعوة إلى الله عز وجل، وإمامة الناس، والخروج للحج والعمرة، ولكن قد يصلي العبد ركعات في جوف الليل، كما قال بعضهم: صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، وصوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، وتصدقوا بصدقة لشر يوم عسير قد يتصدق العبد بصدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه مسلم: (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، فهو يخفي هذه الصدقة.
وكان السلف يجتهدون في إخفاء أعمالهم الصالحة، كما نجتهد نحن في إخفاء أعمالنا السيئة.
فيروى أن رجلاً من السلف صام سنة كاملة ولم تعلم زوجته في بيته، فهو يخفي العمل عن أقرب الناس إليه، فقد كان يخرج بطعام إفطاره فيتصدق به، ثم يذهب إلى دكانه حتى غروب الشمس، ويعود فيفطر في بيته.
وكان الواحد منهم إذا كان يقرأ في المصحف ودخل عليه داخل غطاه.
وكان الواحد منهم يختم القرآن حفظاً ولا يعلم به جاره، فكانوا يجتهدون في إخفاء الأعمال الصالحة.
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل: أن يحفظ العبد أعماله الصالحة، فالعبد قد يعمل عملاً صالحاً موافقاً للسنة تتوافر فيه شروط الصحة، ثم يمن بهذا العمل، أو يؤذي من أدى إليه خدمة ويمن عليه، أو يصاب بشيء من الكبر أو العجب أو الرياء فيحبط بذلك عمله الصالح، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة:264].
فالمسلم ينبغي عليه أن يجتهد في أن يحفظ أعماله الصالحة من محبطات الأعمال، حتى يجد ثواب هذا العمل مذكوراً موفوراً عند الله عز وجل يوم القيامة.
ومن فقه التجارة مع الله عز وجل: أن يداوم العبد على العمل الصالح، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)؛ لأن العمل الدائم وإن كان قليلاً، فإنه يصير كثيراً بالمداومة عليه، بل يربو، ويكون أكثر من الكثير المنقطع، والله تعالى يحب أن يديم فضله وأن يوالي إحسانه، فيحب الله عز وج