ذكر العلامة ابن القيم في كتابه القيم الوابل الصيب من الكلم الطيب أكثر من سبعين فائدة من فوائد الذكر: فمن ذلك: أنه يرضي الرحمن عز وجل، وأنه يقمع الشيطان ويكسره، وأنه يوصل إلى درجة المراقبة والإحسان، ولا يمكن للعبد أن يصل إلى درجة الإحسان بغير ذكر الله عز وجل، كما أن القاعد لا يمكن أن يصل إلى بيته، كذلك من قعد عن ذكر الله عز وجل لا يمكن أن يصل إلى درجة الإحسان.
قال شيخ الإسلام: والذكر للقلب كالماء للسمك.
فانظر كيف يكون حال السمك إذا أخرج من الماء؟! والذكر علاج قسوة القلب.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد! أشكو إليك قسوة قلبي.
قال: أذبه بالذكر.
وشكوا إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قسوة قلوبهم.
قالت: ادنوه من الذكر.
أي: قربوه من الذكر، فالذكر يلين القلب القاسي.
ومن فضائل الذكر وفوائده: أنه يورث ذكر الله عز وجل، كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]، وكما في الحديث القدسي: (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
ومن ذلك: أن الجبال والقفار تتباهى إذا مر عليها ذاكر لله عز وجل، كما في بعض الآثار: إن الجبل لينادي الجبل باسمه فيقول له: هل مر عليك اليوم ذاكر لله عز وجل؟ فإن قال: نعم استبشر.
ومن ذلك: أنه ليس هناك عمل يورث حلاوة العبادة مثل ذكر الله عز وجل، كما قال مالك بن دينار: ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل.
والله تعالى لم يحرم أهل الجنة من نعيم الذكر فدعواهم فيها: {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10]، مع أن الجنة دار نعيم وليست دار تكليف، ولكن لما كان الذكر من أعظم نعيم الدنيا لم يحرم أهل الجنة من هذا النعيم.
وكثرة الذكر أمان من النفاق؛ فإن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، ولذلك لما سئل علي رضي الله عنه عن الخوارج أمنافقون هم؟ فقال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، وكان الخوارج معروفين بكثرة الذكر، وكان الذي يمر بمعسكرات الخوارج يسمع تلاوة القرآن كطنين النحل.
قال بعض العلماء: ختم الله عز وجل سورة المنافقون بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]، فالذكر أمان من النفاق.
ومن فوائد الذكر كذلك أنه أمان من نسيان العبد لنفسه، فإذا نسى العبد ربه عز وجل أنساه الله عز وجل نفسه، كما قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67]، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64]، والنسيان يأتي بمعنى: الترك، فالله عز وجل ليقسم لهم من توفيقه ولا يقسم لهم في الآخرة من رحمته، وقال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19]، فمن نسى ذكر الله عز وجل أنساه الله عز وجل نفسه فينسى أن يصلح نفسه وأن يقدم لحياته، ويكون حاله كحال من عنده زرع أو ماشية وما لا صلاح له إلا بالتعهد والعناية والرعاية فينساه فيهلك ولابد.
ومن فوائد الذكر كذلك: أنه غراس الجنة، كما أخبر الخليل إبراهيم عليه السلام محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: (أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة).
ومن فوائد الذكر كذلك أنه يورث صلاة الله عز وجل على العبد، كما قال رجل لـ أبي أمامة: رأيت الملائكة تصلي عليك إذا دخلت وإذا خرجت، فقال: وأنتم لو شئتم صلت عليكم الملائكة، ثم تلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:41 - 43].
ومن فوائد الذكر كذلك: أنه يغني عن غيره من نوافل العبادات حيث لا تغني جميع النوافل عن ذكر الله عز وجل كما في الأثر: إذا أعظمكم هذا الليل أن تكابدوه، وبخلتم بالمال أن تنفقوه، وجبنتم عن العدو أن تقاتلوه، فأكثروا من ذكر الله عز وجل.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أسبح الله عز وجل تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله عز وجل، ولما ذهب وفد الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (ذهب أصحاب الدثور بال