الناس في التوبة على أقسام: منهم من لا يتوب إلى الله عز وجل، بل يعيش حياة الغفلة والمعاصي حتى يموت على ذلك، فهو لم يقف يوماً في الصف، ولم يدخل بيت الله، ولم يقل: إياك نعبد وإياك نستعين، ولعله لا يدخل إلا مرة واحدة، ولا يدخل على قدميه، بل محمولاً على خشبته، ولا يدخل من أجل أن يصلي، بل من أجل أن يصلى عليه، ثم لا يعود بعد ذلك إلى المسجد مرة ثانية، فهذه حالة المصرين على المعاصي الذين يموتون على هذه الحال، نعوذ بالله من حال أهل البوار.
القسم الثاني عباد الله! من يعرف ربه عز وجل برهة من عمره وزماناً من دهره، ثم ينقلب -لعلم الله عز وجل فيه- فيعمل بمعصية الله عز وجل ويموت على ذلك.
ما أصعب العمى بعد البصيرة، وأصعب منه الضلالة بعد الهدى، والمعصية بعد التقوى، كم من وجوه خاشعة ووقع على قصص أعمالها عاملة ناصبة! كم من قارب مركبه ساحل النجاة، فلما هم أن يرتقي لعب به موج فغرق! كل العباد تحت هذا الخطر (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، ليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: إن الرجل ليعمل زماناً بعمل أهل الجنة وهو من أهل النار، والعياذ بالله.
القسم الثالث عباد الله! من يعمل بمعصية الله عز وجل، ثم يوفق إلى توبة نصوح، فيعمل بطاعة الله عز وجل، ويموت على ذلك، ومن هؤلاء من يتوب قبل موته بمدة مديدة، تؤهله لأن يصل إلى الدرجات، ومنهم من يتوب قبل موته بمدة يسيرة، فحسبه أن ينجو من اللفحات، وأن يدخل الجنات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
بقي هنا قسم هو أشرف الأقسام، وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أن يعمل الرجل عمره كله بطاعة الله عز وجل، ثم ينبه إلى قرب أجله، فيجتهد في العمل، حتى يموت على عمل يصلح للقاء.
لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]، صار النبي صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون اجتهاداً في أمر الآخرة، وكان لا يقوم ولا يقعد إلا قال: سبحان الله العظيم وبحمده يتأول القرآن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.