إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب عبداً قط هم ولا غم ولا حزن فقال: اللهم! إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحاً).
هذا الحديث النبوي الشريف يبين لنا كيف تعالج القلوب من الهم أو الغم أو الحزن، فالقلوب خلقت لمعرفة علام الغيوب وغفار الذنوب عز وجل؛ فهي لا تسعد إلا بتوحيد الله عز وجل؛ لأنها خلقت لمعرفة الله وتوحيده، وكما أن السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فكذلك قلوب العباد لو كان فيها آلهة إلا الله عز وجل لفسدت بذلك فساداً لا يرجى له صلاح، حتى توحد ربها وتعرفه عز وجل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).
فالقلوب إذا علقت بغير الله عز وجل، وعبدت غيره شقي أصحابها في الدنيا والآخرة.
والقلوب لا تصل إلى مناها حتى تصل إلى مولاها، ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، فهي لا تسعد إلا بالله عز وجل، ولا تطمئن إلا بذكره وعبادته، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].
فلما خلقت لتوحيد الله عز وجل صار علاجها كذلك إذا أصابها شيء من الهم أو الغم أو الحزن.
والهم: ما يصيب القلب عند انتظار مكروه في المستقبل.
والغم: ما يصيب القلب عند المصيبة الحاضرة.
والحزن: هو الأثر الباقي في القلب نتيجة لمصيبة ماضية.
فإذا أصيبت القلوب بشيء من الهم أو الغم أو الحزن فعلاجها مركب من أمرين: الأمر الأول: هو توحيد الله عز وجل.
والأمر الثاني: هو التسليم بقضاء الله عز وجل وقدره، والتسليم لشرع الله عز وجل، فيقول صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب عبداً قط هم ولا غم ولا حزن، فقال: اللهم! إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك)، فعلاج القلوب في التوحيد، وأن يقف العبد ذليلاً عند باب ربه العزيز، ويقول بأنه عبد وليس عبداً ابن سيد، ولكن العبودية متأصلة فيه، فهو عبد وابن عبد وابن أمة: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك).
قوله: (ناصيتي بيدك) إقرار لله عز وجل بالربوبية، فالله عز وجل قهر جميع الخلق وأذل جميع الخلق: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56]، فالله تعالى يملك نواصي العباد وقاهر لكل العباد، ومذل لكل العباد كما يملك قلوب العباد، ولو شاء الله عز وجل لأعطى كل نفس تقواها.
قوله: (ماض فيَّ حكمك) تسليم للشرع المتين.
قوله: (عدل فيَّ قضاؤك)، تسليم للقضاء والقدر.