فإن قيل: فما بالهم قالوا ثلاثمائة وما أشبه ذلك، فميزوه بالواحد، وقالوا ثلاثة آلاف ونحوها فميزوه بالجمع؟ قيل: ثلاثمائة وما أشبه ذلك من جنسها مضارعةٌ لعشرين وثلاثين، لأنك تجيء بتعشيرها على غير لفظ ما تقدم، فتقول ألفٌ كما تقول في تعشير عشرين وثلاثين، فلما اشتبها جعل تمييزها بالواحد، ولم يكن هذا في ثلاثة آلاف، لأنك تقول في تعشيرها عشرة آلاف، كما تقول: عشرة أثواب. فهذا الفصل بينهما.
وقال غيره من النحويين: أهل الحجاز يقولون: إحدى عشرة، وتميم تسكن الشين فتقول إحدى عشرة، وقد قرئ بهما. فلما قالوا عشرين كسروا العين من عشرين لأنهم يقولون في المؤنث عشرة وعشرة، فجعلوا عشرين فيها علامة للشيئين: الكسرة للتأنيث، والواو والنون للتذكير، وهذا قياس وفطنة.
ومثل ذلك قيل للفراء لحسن نظره: ما تقول في رجلٍ سها في الصلاة ثم سجد سجدتي السهو فسها؟ فقال: لا يجب عليه شيء. قيل له: وكيف ذلك ومن أين قلت؟ قال: أخذته من كتاب التصغير؛ لأن الاسم إذا صغر لا يصغر مرة أخرى.
وكان صالح بن إسحاق الجرمي يدل بمعرفته في العربية، فقال أبو جعفر: [سمعت الجرمي يقول] : أنا مذ ثلاثون سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه. فحدث بهذا محمد بن يزيد، وكان المحدث له ابن شقير على سبيل التعجب والإنكار، فقال المبرد: أنا سمعت الجرمي يقول هذا. وذاك أن أبا عمر كان صاحب حديث، فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الدين والحديث، إذ كان ذلك يتعلم منه النظر والتفتيش.