وإنا إليه راجعون، إني والله تقدمت اليوم في هذا الأمر خائفا منه أن يقع على مثل ما وقع، يأبى قضاء الله إلا أن يمضي ما قدره. ثم أمر صالحا صاحب المصلي أن يقف بالسيف على رءوس الندماء فيطلقوا نساءهم. فخرج إلى الخدم بذلك كي لا آذن لأحد، وعلى الباب رجلٌ واقف متلفعٌ بطيلسانه، يراوح بين رجليه على معرفة دابته، فعن لي بيت فأنشدته:
خليلي من سعدٍ ألما فسلما ... على مريم لا يبعد الله مريما
وقولا لها: هذا الفراق عزمته ... فهل موعدٌ قبل الفراق فيعلما
فقال الرجل المتلفع بطيلسانه: ((فنعلما)) أبقاك الله، فقلت له: ما الفرق بين فيعلما وفنعلما؟ فقال: إن الشعر يصلحه معناه، ويفسده معناه، ما حاجتنا إلى أن يعلم الناس أسرارنا؟ فقلت: أنا أعلم بالشعر منك. قال: فلمن الشعر؟ قلت للأسود بن عمارة النوفلي. قال: فأنا هو فدنوت منه وأخبرته خبر الهادي، واعتذرت من مراجعتي إياه. فضرب دابته وقال: هذا أحق منزلٍ بترك!