لأن تعريف المسند إليه بالإشارة- وهو أولئك- يفيد أن المشار إليه الموصوف بصفات- وهي بناء المساجد على القبور، وتصوير الصور- حقيق وجدير بما يذكر بعد اسم الإشارة، وهو قوله: شرار الخلق - من أجل اتصافه بتلك الصفات. وذلك لأن القبر المعظم ببناء المسجد عليه، والصورة المعظمة لتمثيلها ذلك الصالح يصيران مما يعبد ويعتقد فيه النفع والض، ر والعطاء والمنع، فيدعى ويسأل، وتطلب منه الحوائج وتخشع عنده القلوب، وتنذر له النذور، وهذه من العبادة التي لا تكون إلا لله، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: أن وُداًّ وسُوَاعًا ويَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً التي كانت أصناما لقوم نوح، وعبدتها العرب من بعدهم - كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك - الذين نصبوها - وتنسخ - تغير - العلم عبدت، فعلم من هذا أن ما يكون موضوعا في أصله بقصد حسن يمنع وينهى عنه إذا كان يؤدي بعد ذلك إلى مفسدة.
هذا الحديث نص صريح في المنع من بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم، وفيه الوعيد الشديد على ذلك، ونظيره حديث جندب- رضي الله عنه- عند مسلم- رضي الله عنه- سمع رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول- قبل أن يموت عليه السلام بخمسة أيام-: «ألا وأن من كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك».