وشَهَقَ شَهْقَةً كَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، فَكَفَّنْتُهُ فِي أَطْمَارِهِ وَرَجَعْتُ "
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الصُّوفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الْحِيرِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ بَاكَوَيْهِ الشِّيرَازِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ بَكْرٍ الْوَرَثَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَارَسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَشْهَبِ السَّائِحُ، قَالَ " رَأَيْتُ بَيْنَ الثَّعْلَبِيَّةِ وَالْخُزَيْمِيَّةِ غُلامًا قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ الْأَمْيَالِ، قَدِ انْقَطَعَ عَنِ النَّاسِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: مَا مَعَكَ مُؤْنِسٌ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: أَمَامِي، وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعنْ شِمَالِي، وَفَوْقِي.
فَعَلِمْتُ أَنَّ عِنْدَهُ مَعْرِفَةً، فَقُلْتُ: أَمَا مَعَكَ زَادٌ؟ قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: الْإِخَلاصُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّوْحِيدُ، وَالْإِقْرَارُ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِيمَانٌ صَادِقٌ، وَتَوَكُّلٌ وَاثِقٌ.
قُلْتُ: هَلْ لَكَ بِمُرَافَقَتِي؟ قَالَ: الرَّفِيقُ يَشْغَلُ عَنِ اللَّهِ، وَلا أُحِبُّ أَنْ أُرَافِقَ أَحَدًا فَأَشْتَغِلُ بِهِ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
قُلْتُ: أَمَا تَسْتَوْحِشُ فِي هَذِهِ البَرِّيَّةِ وَحْدَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْأُنْسَ بِاللَّهِ قَطَعَ عَنِّي كُلَّ وَحْشَةٍ، حَتَّى لَوْ كُنْتُ بَيْنَ السِّبَاعِ مَا خِفْتُهَا وَلا اسْتَوْحَشْتُ مِنْهَا، فَقُلْتُ: فَمِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟ قَالَ: الَّذِي غَذَّانِي فِي ظُلَمِ الْأَرْحَامِ صَغِيرًا تَكَفَّلَ بِرِزْقِي كَبِيرًا.
قُلْتُ: فَفِي أَيِّ وَقْتٍ تَجِيئُكَ الْأَسْبَابُ؟ فَقَالَ: لِي حَدٌّ مَعْلُومٌ وَوَقْتٌ مَفْهُومٌ، إِذَا احْتَجْتُ إِلَى الطَّعَامِ أَصَبْتُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كُنْتُ، وَقَدْ عَلِمَ مَا يُصْلِحُنِي، وَهُوَ غَيْرُ غَافِلٍ عَنِّي.
قُلْتُ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: إِنْ رَأَيْتَنِي فَلا تُكَلِّمْنِي، ولا تُعْلِمْ أَحَدًا أَنَّكَ تَعْرِفُنِي، قُلْتُ: لَكَ ذَاكَ، فَهَلْ حَاجَةٌ غَيْرُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا تَنْسَانِي