خَطَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِمَكَّةَ لَمَّا حَجَّ يَوْمًا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَوْضِعِ الْعِظَةِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَهْلا مَهْلا، إِنَّكُمْ تَأْمُرُونَ وَلا تَأْتَمِرُونَ، وَتَنْهَوْنَ وَلا تَنْتَهُونَ، أَفَنَقْتَدِي بِسِيرَتِكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ، أَمْ نُطِيعُ أَمْرَكُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: اقْتَدُوا بِسِيرَتِنَا، فَأَيْنَ، وَكَيْفَ، وَمَا الْحُجَّةُ؟ وَكَيْفَ الاقْتِدَاءُ بِسِيرَةِ الظَّلَمَةِ؟ وَإِنْ قُلْتُمْ: أَطِيعُوا أَمْرَنَا، وَاقْبَلُوا نَصِيحَتَنَا، فَكَيْفَ يَنْصَحُ غَيْرَهُ مَنْ يَغُشُّ نَفْسَهُ؟ وَإِنْ قُلْتُمْ: خُذُوا الْحِكْمَةَ مِنْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهَا، فَعَلامَ قَلَّدْنَاكُمْ أَزِمَّةَ أُمُورِنَا؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ فِينَا مَنْ هُوَ أَفْصَحُ بِفُنُونِ الْعِظَاتِ، وَأَعْرَفُ بُوُجُوهِ اللُّغَاتِ، فَتَلَحْلَحُوا عَنْهَا، وَإِلا فَأَطْلِقُوا عِقَالَهَا يَتَبَدَّى إِلَيْهَا الَّذِينَ شَرَّدْتُمُوهُمْ فِي الْبُلْدَانِ، إِنْ يَقُلْ قَائِمٌ يَوْمًا لا يَعْدُوهُ، وَكِتَابًا بَعْدَهُ يَتْلُوهُ، {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، أَنْبَأنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَنْبَأنَا أَبُو بَكْرٍ الْمُنْكَدِرِيُّ، أَنْبَأنَا ابْنُ الصَّلْتِ، أَنْبَأنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أبَيِ مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ الْحَاسِبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَيْفُورٌ، قَالَ: كَانَ سَبَبُ إِحْرَامِ الْمَنْصُورِ مِنْ مَدِينَةِ السَّلامِ أَنَّهُ نَامَ لَيْلَةً فَانْتَبَهَ فَزِعًا، ثُمَّ عَاوَدَ النَّوْمَ فَانَتَبَهَ فَزِعًا، ثُمَّ رَاجَعَ النَّوْمَ فَانْتَبَهَ فَزِعًا، فَقَالَ: يَا رَبِيعُ، قَالَ: لَبَّيْكَ أَمِيرَ