عَرَفَةَ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ قَدْ نَزَلا مِنَ السَّمَاءِ، فَنَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ.
قَالَ: لَبَّيْكَ عَبْدَ اللَّهِ.
فَقَالَ: تَدْرِي كَمْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ؟ قَالَ: لا أَدْرِي.
قَالَ: حَجَّ بَيْتَ رَبِّنَا سِتُّ مِائَةِ أَلْفٍ.
فَتَدْرِي كَمْ قُبِلَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لا.
قَالَ: قُبِلَ مِنْهُمْ سِتَّةُ أَنْفُسٍ.
قَالَ: ثُمَّ ارْتَفَعَا فِي الْهَوَاءِ فَغَابَا عَنِّي، فَانْتَبَهْتُ فَزِعًا وَاغْتَمَمْتُ غَمًّا شَدِيدًا، وَأَهَمَّنِي أَمْرِي، وَقُلْتُ: إِذَا قُبِلَ سِتَّةُ أَنْفُسٍ، فَأَيْنَ أَكُونُ أَنَا فِي سِتَّةِ أَنْفُسٍ؟ فَلَمَّا أَفَضْتُ مِنْ عَرَفَةَ وَبِتُّ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، جَعَلْتُ أُفَكِّرُ فِي كَثْرَةِ الْخَلْقِ وَفِي قِلَّةِ مَنْ قُبِلَ مِنْهُمْ، فَغَلَبَنِي النَّوْمُ، فَإِذَا الشَّخْصَانِ قَدْ نَزَلا عَلَى هَيْئَتِهِمَا، فَنَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَأَعَادَا ذَلِكَ الْكَلامَ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَفَتَدْرِي مَاذَا حَكَمَ رَبُّنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ قَالَ: لا.
قَالَ: فَإِنَّهُ وَهَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السِّتَّةِ، مِائَةَ أَلْفٍ.
فَانْتَبَهْتُ وَبِي مِنَ السُّرُورِ مَا يَجِلُّ عَنِ الْوَصْفِ.