بَابٌ في ذِكْرُ فَتْحِ مَكَّةَ

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ لِلْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَسَاقَ بُدْنًا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، جَلَّلَ الْبُدْنُ، وَأَشْعَرَهَا، وَقَلَّدَهَا، وَأَحْرَمَ وَلَبَّى.

وَبَلَغَ الْمُشْرِكِينَ خُرُوجُهُ، فَأَجْمَعُوا عَلَى صَدِّهِ وَخَرَجُوا فَعَسْكَرُوا بِبَلْدَحٍ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَفَتْ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: حَلْ حَلْ، يَزْجُرُونَهَا، فَأَبَتْ.

فَقَالُوا: خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ.

فَقَالَ: «مَا خَلأَتْ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، أَمَا وَاللَّهِ لا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ خُطَّةً فِيهَا تَعْظِيمُ حُرْمَةِ اللَّهِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» ، ثُمَّ زَجَرَهَا، فَقَامَتْ، فَوَلَّى رَاجِعًا حَتَّى نَزَلَ عَلَى ثَمَدٍ مِنْ أَثْمَادِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَصَالَحُوهُ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، وَشَرَطُوا أَنْ يَأْتِيَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَيَدْخُلَ مَكَّةَ، وَيُقِيمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ.

فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَغَارَتْ قُرَيْشٌ بَعْدُ عَلَى خُزَاعَةَ، ثُمَّ نَدِمُوا وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِذَلِكَ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَدَخَلَهَا عَنْوَةً فِي رَمَضَانَ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ كَانَ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015