الَّذِي رَأَيْتُهُ فِيهِ مَرَاحِلُ كَثِيرَةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: فَأَيْنَ الْمَقْصِدُ؟ قَالَ: مَكَّةَ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُسَاقُ إِلَى الْمَوْتِ سَوْقًا، لَرَفِقَ بِنَفْسِهِ، فَوَدَّعْتُهُ، وَمَضَى ولم أَرَهُ حَتَّى مَضَتْ ثَلاثُ سِنِينَ.

فَلَمَّا كَانَ ذات يوم أنا جالس فِي مَنْزِلِي أَتَفَكَّرُ فِي أَمْرِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ، إِذَا بِإِنْسَانٍ يَدُقُّ الْبَابَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِصَاحِبِي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتَ: مَرْحَبًا وأهلاً. فأدخلته المنزل، فرأيته منقطعاً وَالِهًا، تَالِفًا، عَلَيْهِ زُرْمَانِقَةٌ، حَافِيًا حَاسِرًا، فَقُلْتُ: هي إِيشِ الْخَبَرُ؟ فَقَالَ: يَا أُسْتَاذُ! لاطَفَنِي حَتَّى أدخلني الشبكة فرماني، فمرةً يلاطفني، ومرة يهددني، ومرةً يجوعني، ومرة يكرمني، وليته وَقَفَنِي عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِ أَوْلِيَائِهِ، ثُمَّ لْيَفْعَلْ بِي مَا شَاءَ. قَالَ مَعْرُوفٌ: فَأَبْكَانِي كَلامُهُ.

فَقُلْتُ لَهُ: فَحَدِّثْنِي بِبَعْضِ مَا جَرَى عَلَيْكَ منذ أن فارقتني. فقال: هَيْهَاتَ أَنْ أُبْدِيَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخْفِيَهُ، ولكن أبدأ بما فعل في طريقي إليك مَوْلايَ وَسَيِّدِي. ثُمَّ اسْتَفْرَغَهُ الْبُكَاءُ، فَقُلْتُ: وَمَا فعل بك؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015