ثُمَّ قَالَتْ: يَا جُنَيْدُ! تَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَمْ برب البيت؟ قلت: أَطُوفُ بِالْبَيْتِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ: سُبْحَانَكَ، سُبْحَانَكَ! مَا أَعْظَمَ مَشِيئَتَكَ فِي خَلْقِكَ، خَلْقٌ كَالأَحْجَارِ يَطُوفُونَ بِالأَحْجَارِ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

يطوفون بالأحجار يبغون قربةً ... إِلَيْكَ وَهُمْ أَقْسَى قُلُوبًا مِنَ الصَّخْرِ

وَتَاهُوا فلم يدروا أن التيه منهم ... وحلوا محل القرب من باطن الفكر

فلو خلصوا فِي الْوُدِّ غَابَتْ صِفَاتُهُمُ ... وَقَامَتْ صِفَاتُ الْوُدِّ للحق في الذكر

قَالَ الْجُنَيْدُ: فَغُشِّيَ عَلَيَّ مِنْ قَوْلِهَا، فَلَمَّا أفقت، لم أرها.

وأنشد لأبي عبد الله مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشِّيرَازِيِّ:

إليك قصدي لا لِلْبَيْتِ وَالأَثَرِ ... وَلا طَوَافِي بِأَرْكَانٍ وَلا حَجَرِ

صفا دَمْعِي الصَّفَا لِي حِينَ أَعْبُرُهُ ... وَزْمَزِمِي دمعةٌ تَجْرِي مِنَ الْبَصَرِ

وَفِيكَ سَعْيِي وَتَعْمِيرِي وَمُزْدَلِفِي ... والهدى جسمي الذي يغنى عن الجزر

عرفانه عَرَفَاتِي إِذْ مِنًى مِنَنِي ... وَمَوْقِفِي وَقْفَةٌ فِي الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ

وَجَمْرُ قَلْبِي جِمَارٌ نَبْذُهُ شَرَرُ ... وَالْحَرَمُ تَحْرِيمِيَ الدُّنْيَا عَنِ الْفِكَرِ

وَمَسْجِدُ الْخَيْفِ خَوْفِي مِنْ تَبَاعُدِكُمْ ... وَمَشْعَرِي وَمَقَامِي دُونَكُمْ خَطَرِي

زَادِي رَجَائِي لَهُ وَالشَّوْقُ رَاحِلَتِي ... وَالْمَاءُ مِنْ عبراتي والهوى سقري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015