كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ لِلْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ وَسَاقَ بُدْنًا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ جَلَّلَ الْبُدْنُ وَأَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا وَأَحْرَمَ وَلَبَّى، وَبَلَغَ الْمُشْرِكِينَ خُرُوجُهُ، فَأَجْمَعُوا عَلَى صَدِّهِ، وَخَرَجُوا فَعَسْكَرُوا بِبَلْدَحٍ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من الحديبية، وقفت به رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: حَلْ حَلْ (يَزْجُرُونَهَا) ، فَأَبَتْ، فَقَالُوا: خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ: مَا خَلأَتْ، وَلَكِنْ حبسها حابس الفيل.
أما والله لا يسئلوني الْيَوْمَ خُطَّةً فِيهَا تَعْظِيمُ حُرْمَةِ اللَّهِ، إِلا أعطيتهم إياها. ثم زجرها، فقامت، ثم ولى رَاجِعًا حَتَّى نَزَلَ عَلَى ثمدٍ مِنْ أَثْمَادِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَصَالَحُوهُ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، وَشَرَطُوا أَنْ يَأْتِيَ فِي الْعَامِ المقبل، فيدخل مكة ويقيم ثلاثاً، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فأعانت قريش بعد ذلك عَلَى خُزَاعَةَ، ثُمَّ نَدِمُوا وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِذَلِكَ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَدَخَلَهَا عَنْوَةً في رمضان.