"عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} ... الآية: نزلت في عائشة خاصة"1, وعن ابن عباس في هذه الآية أيضًا: "هذه في عائشة وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجعل الله لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- التوبة, ثم قرأ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ, إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2. وعلى هذا فإن قبول توبة القاذف وإن كان مخُصَصًّا لعموم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ} 3, لا يتناول بالتخصيص مَن قذف عائشة، أو قذف سائر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن هذا لا توبة له، لأن دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي.

د- ومعرفة سبب النزول خير سبيل لفهم معاني القرآن، وكشف الغموض الذي يكتنف بعض الآيات في تفسيرها ما لم يُعرف سبب نزولها، قال الواحدي: "لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها" وقال ابن دقيق العيد: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن" وقال ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"4, ومن أمثلة ذلك: ما أشكل على مروان بن الحكم في فهم الآية الآنفة الذكر: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 5 حتى أورد له ابن عباس سبب النزول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015