أبي بكر: فكان لا بد لقبول آية أو آيات من شاهدين، هما الحفظ والكتابة، وبهذا فسر ابن حجر المراد من الشاهدين في قول أبي بكر لعمر وزيد: "اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه1" وهو حديث منقطع أخرجه ابن أبي داود2 من طريق هشام بن عروة عن أبيه، لكن رجاله ثقات، وواضح أن تفسير ابن حجر يلاحظ فيه الاكتفاء بشاهد واحد على الكتابة، كالشاهد الواحد على الحفظ، وتفسير الجمهور يقوم على ضرورة شاهدين عدلين على الكتابة، وشاهدين عدلين على الحفظ، فلا يكتفى بشاهد واحد على كل من الأمرين، ويستدل على ذلك بما أخرجه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: "قدم عمر، فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان"3، قال السخاوي في "جمال القراء": "المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم4".

وكأن شذوذ آخر سورة التوبة عن هذه القاعدة بوجودها عند أبي خزيمة وحده، إنما ورعي فيه تواترها لدى الكثير من الصحابة الذين كانوا يستظهرونها حفظا في الصدور: فهذا الاستظهار المتواتر قام مقام شاهدين بأن آخر تلك السورة كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم."وقول زيد: "لم أجدها إلا مع "أبي" خزيمة" ليس فيه إثبات القرآن بخبر الواحد، لأن زيد كان قد سمعها وعلم موضعها ... وتتبعه الرجال كان للاستظهار لا لاستحداث العلم"5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015