...
الباب الثاني: تاريخ القرآن
الفصل الأول: جمع القرآن وكتابته
لجمع القرآن معنيان وردت النصوص بكليهما، ففي قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ورد الجمع بمعنى الحفظ، ومنه جماع القرآن, أي: حفاظه. والمعنى الثاني لجمع القرآن هو كتابته كله مفرق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط وكل سورة في صحيفة على حدة، أو مرتب الآيات والسور في صحائف مجتمعة تضم السور جميعا وقد رتبت إحداها بعد الأخرى.
فأما جمع القرآن بمعنى حفظه واستظهاره في لوح القلب فقد أوتيه رسول الله قبل الجميع، فكان عليه الصلاة والسلام سيد الحفاظ وأول الجماع، وتيسر ذلك لنخبة من صحابته على عهده, ولا بد أن يكون عدد هذه النخبة غير قليل, "فقد قتل منهم -كما قال القرطبي- يوم بئر معونة سبعون وقتل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا العدد"1. ولو أخذنا بظاهر الروايات التي يذكرها البخاري في "صحيحه" لحسبنا أن عدد الحفاظ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد عن السبعة. وهؤلاء السبعة أنفسهم لا تسرد أسماؤهم متعاقبة في رواية واحدة في "الصحيح" وإنما تجمع من ثلاث روايات فيه مع ترك الأسماء المكررة2. ولذلك يطلق المستشرق بلاشير رضي الله عنهlachere الحكم