والحضر، وفي الحرب والسلم، وتابعنا الجزئيات التي كان ينزل فيها، بل أومأنا في تحليلنا الخاطف للمراحل المكية الثلاث، إلى أبرز ما تمثل في ألفاظها وفواصلها، وإيقاعها وتناسقها، وعقائدها وأحكامها، فإذا المرحلة المكية الأولى قصيرة الآيات شديدة الإيجاز، وإذا فواصلها الموزونة المقفاة، بإيقاعها العجيب، تناسب أحيانا وتتموج، وتلهث أحيانا وتتهدج، وتقصف أحيانا وتدمر، وتصرخ أحيانا وتزمجر.

وفي المرحلة المكية الثانية لاحظنا أن الإضافات التي زيدت على حقائق المرحلة الأولى قد صيرت موضوعاتها كالمستقلة بنفسها، فقد بدأت الدعوة الإسلامية تثير مخاوف المشركين وتقذف الرعب حقا في قلوبهم، أما أسلوب هذه المرحلة فقد ظل -كأسلوب المرحلة الأولى- متجانس المقاطع والفواصل، كثير الأصباغ والألوان، فإذا لوازم الإيقاع تبرز أحيانا، وإذا الأنغام في السورة الواحدة تتنوع ساحرا خلابا.

وفي المرحلة المكية الثالثة استشعرنا جوا جديدا أوشك أن يجعل هذه المرحلة انتقالية تتوسط بسورها الطوال وحي مكة الذي تم نزوله ووحي المدينة الذي سوف يتعاقب على حسب الوقائع: فوقعنا في هذه المرحلة على كثير من السور الطوال، وعلى طائفة منها مفتتحة ببعض الحروف المقطعة, وعلى عرض مفصل لقصص أئمة الأنبياء.

وفي ضوء ما حللناه من "نماذج" هذه المراحل الثلاث بدا لنا أن من اليسير -إن تركنا جانبا ما اختلف المحققون في ترتيبه الزمني- أن نعين السابق من التنزيل والمسبوق، وأن نضع أيدينا على فصائل متماثلة تبرز فيها ملامح صريحة نجزم معها بأنها مرحلة مكية أولى أو متوسطة أو ختامية.

ولما انتقلنا إلى النوازل المدنية كان تعيين مراحلها حتى آخر ما نزل من الوحي أيسر علينا- بعد انتشار الإسلام- فلم نؤنس حاجة إلى الإسهاب في تقصي الأطوار المدنية, واكتفينا، مخافة غلبة الأسلوب الفقهي على بحثنا الأدبي -بالإيماء إلى رءوس المسائل فقط في سورة واحدة "نموذجية" من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015