كتابه بشماله لا أنت ولا سلطانك، فتظل من الآيات في قلق شديد.
وما أحسب شفتيك إلا منقبضتين استقباحا واستهجانا لحال الكافر الذي يتجرع صديده ولا يكاد يسيغه، في قوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ، يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} 1 فتستشعر في لفظ "التجرع" ثقلا وبطئًَا، يدعوان إلى التقزز والكراهية!.
ولا أحسبك إلا مستشعرا عنف لفظة الكبكبة في قوله: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} 2 حتى لتكاد تتصور أولئك المجرمين يكبون على وجوههم أو على مناخرهم، ويلقون إلقاء المهملين، فلا يقيم أحد لهم وزنا!
فإن يك هذا كله في اللفظة المفردة، تعبر مستقلة عن لوحة كاملة، فكيف بالآية التي تتناسق في جوها الكلمات، أو في السورة التي تنسجم حول فكرتها جميع الآيات!.
من ذا الذي يقرأ قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} 3، ثم لا يتخيل في جو هذه الآية وحدها الشواظ الناري يتطاير، والنحاس الملتهب يذوب فوق رءوس المجرمين وهم يحاولون النفاذ من أقطار السموات!
ومن ذا الذي يقرأ سورة كاملة من سور القرآن -طويلة أو قصيرة ومكية أو مدنية- ثم لا يوقظ نسقها الرائع قلبه، ويهز إيقاعها العجيب مشاعره؟
إن المرء ليحار إذا قرأ مثلا سورة "الرحمن"، فيتساءل: هل انبعث إيقاعها الرخي المنساب من مطلعها أم من ختامها أم من خلال آياتها؟ وإذا هو يقطع بأن النغم يسري فيها كلها: في فواصلها ومقاطعها، وفي ألفاظها وحروفها، وفي انسياقها وانسيابها، حتى لو انتقي على حدة مقطع واحد من