وعفتها الكاملة1، وكان النفخ في جيب درعها -كما ورد- تأكيدا لهذا المعنى الرمزي الذي يجمع إلى أدب التعبير إشادة لا نظير لها بعفة السيدة مريم التي فضلها الله على نساء العالمين.
وتستخدم الكناية في القرآن لاختصار مقدمات لا أهمية لها بالتنبيه على النتيجة الحاسمة التي يتقرر فيها المصير. مثاله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} 2: فهذه كناية عن أنه جهنمي3 وأن مصيره إلى اللهب {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} 4, فهي تسعى بالنميمة, ومصيرها أن تكون حطبا لجهنم5, وأن تكون مغلولة اليد، وواضح أن الكناية هنا لخصت في ومضة واحدة المصير الذي يراد تصويره.
ولقد بلغ بالقرآن حرصه على الرمز والإيماء أن يكني عن الحقائق الدينية الكبرى المتعلقة بذات الله وصفاته، بأسلوب تزيده المبالغة حسنا، لأنه يقرب الفكرة المجردة من الصورة المحسة، فتستحيل المبالغة فيه بلاغة، ويصير التهويل فيه تخييلا، فالله يقول في سعة جوده وكرمه: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} 6، ويؤثر للتعبير عن هذا المعنى اللفظ نفسه الذي يكنى به عن إسراف العبد وتبذيره في قوله: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} 7، أي: لا تبالغ في الإنفاق والعطاء كمن يبسط يده فلا يردها عن الإنفاق شيء. وفي هذا الجو الرمزي نستطيع أن نتملى جمال الكناية عن الشئون الغيبية "بالمفاتح": {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} 8 وجمال الكناية عن أزلية الأرزاق والمقدرات بالخزائن: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا