تعريف كل من المحكم والمتشابه، فكثرت آراؤهم في هذا الموضوع وتعددت وجهات نظرهم1، ولكن آرءاهم تئول في النهاية إلى أن المحكم هو الذي يدل على معناه بوضوح لا خفاء فيه, والمتشابه هو الذي يخلو من الدلالة الراجحة على معناه. فيدخل في المحكم النص والظاهر. أما النص فلأنه اللفظ الذي وضع للمعنى الراجح المتبادر. ويدخل في المتشابه المجمل والمؤول والمشكل, لأن المجمل يحتاج إلى تفصيل, والمؤول لا يدل على معنى إلا بعد التأويل، والمشكل خفي الدلالة فيه لبس وإبهام2.
ووضوح الدلالة في المحكم يغنينا عن البحث عنه، لأن قراءتنا له كافية لإفهامنا المراد منه، ولكن خفاء المتشابه جدير أن يشغلنا بعض الشيء, لكي نعرفه ثم نجتنبه فلا نتبعه كالذين في قلوبهم زيغ.
إن أكثر العلماء يذهبون إلى أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله, ويوجبون في الآية الوقف على اسم الجلالة، أما الراسخون في العلم فقد انتهى علمهم بتأويل القرآن إلى أن قالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} .
لكن أبا الحسن الأشعري كان يرى أن الوقوف في الآية على قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ، فهم على ذلك يعلمون تأويل المتشابه. وقد أوضح هذا الرأي أبو إسحاق الشيرازي3 وانتصر له فقال: "ليس شيء استأثر الله تعالى بعلمه، بل وقف العلماء عليه، لأن الله تعالى أورد هذا مدحا للعلماء، فلو كانوا لا يعرفون معناه لشاركوا العامة". وتوسط الراغب الأصفهاني فقسم المتشابه من حيث إمكان الوقوف على معناه إلى ثلاثة أضرب: "ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه، كوقت الساعة وخروج الدابة ونحو ذلك، وضرب للإنسان أسباب إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة وضرب متردد بين الأمرين