الرأي السديد أخذ ابن ظفر1 في كتابه"الينبوع" إذ أنكر عد هذا مما نسخت تلاوته وقال: "لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن"2.
ولم تكف عشاق النسخ تلك الأضرب التي استنبطوها من أخبار الآحاد الظنية، بل ذهب بهم الغلو كل مذهب حتى زعموا أن الناسخ أيضا يجوز نسخه، فيصير الناسخ منسوخا، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} 3 فقد نسخه -بزعمهم- قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 4 ثم نسخ هذا بقوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 5. وأطرف ما في هذا الاستشهاد أن آية الجزية تتعلق بأهل الكتاب، فكيف تنسخ آية في المشركين6؟
وكانت مبالغات بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ تخالف البداهة، وتعارض منطق الأشياء: فهذا هبة الله بن سلامة7 يتكلم على ما في سورة "الإنسان" من النسخ فيرى أنها محكمة إلا آيتين منها وبعض آية8، ويبدأ ببعض الآية المنسوخ فإذا هو لفظ "وأسيرًا" من قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ