ومن موقف العلماء من قراءة ابن مسعود -على تقواه وورعه وعلمه الغزير- ربما دعا إليه ما شاع عنه من إنكاره المعوذتين والفاتحة من القرآن, وإن كان كثيرون يفسرون تصرفه تفسيرا منطقيا، قال ابن قتيبة في "مشكل القرآن": "ظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن, لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول: إنه أصاب في ذلك أو أخطأ المهاجرون والأنصار. قال: وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، -معاذ الله! - ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها كل أحد"1.

وقراءة أبي بن كعب تماثل قراءة ابن مسعود في الشذوذ لما ينسب إليه من إثباته دعاء الاستفتاح والقنوت في آخر مصحفه كالسورتين2، "مع أنه لم تقم حجة بأنه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآنا لنقل نقل القرآن، وحصل العلم بصحته"3.

ولتمييزه القراءات المقبولة من الشاذة وضع العلماء ضابطا للقراءات المقبولة ذا ثلاثة شروط، أحدهما موافقة القراءة لرسم أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا، والثاني موافقتها العربية ولو بوجه، والثالث صحة إسنادها، ولو كان عمن فوق السبعة والعشرة من القراء المشهورين4. وقد آثر ابن الجزري في كتابه "منجد المقرئين" أن يبدل شرط صحة الإسناد في هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015