الله تعالى في كتابه تمسكا باصطلاحاتهم وعرفهم المخالف له ولمدلول اللغة أيضا"1.

وأما العتاب الشديد فقد نطقت به آيات الفداء في سورة الأنفال، ووجهته عنيفا صادعا، منذرا متوعدا، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمهور صحابته الذين أشاروا عليه بأخذ الفداء من أسرى بدر، ومؤثرين عرض الحياة الفاني على نصرة الدين، في أول معركة في الإسلام لم يثخنوا قبلها في الأرض، ولم يعظم بعد شأنهم فيها. ولذلك صيغ العتاب صياغة عامة تشعر بتقرير مبدأ في صفات الأنبياء والرسل، فلم يوجه الله خطابه إلى رسوله رأسا، بل استهل الآية بكون منفي تلته عبارة تستعظم هذا الفداء يصدر عن نبي من الأنبياء: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 2.

ويقرب من هذا العتاب الذي لم يوجهه الله -على شدته- رأسا إلى نبيه، وإنما افتتحه بضمير الغيبة يحكي به المشهد ويصور به الواقع, ما أدب الله به محمدا في قصة الأعمى عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه "عندما جاءه وهو يدعو أكابر رجال قريش إلى الإسلام وقد لاح له بارقة رجاء في إيمانهم يتحدثون معه، فإنه صلى الله عليه وسلم علم أن إقباله عليهم ينفرهم ويقطع عليه طريق دعوتهم، وكان يرجو بإيمانهم انتشار الإسلام في جميع العرب، فتولى عنه وتلهى بهذ الفكرة, ولم يكن يعلم قبل إعلام الله تعالى أن سنته في البشر أن يكون أول من يتبع الأنبياء والمصلحين فقراء الأمم وأوساطها، دون أكابر مجرميها المترفين ورؤسائها"3. ففي هذا أنزل الله هذه الآيات من سورة الأعمى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015