"أن هذه الحروف علم مستور وسر محجوب استأثر الله به"1. حتى الذين خاضوا في معنى هذه الفواتح لم يدلوا فيها برأي قاطع، بل شرحوا وجهة نظرهم فيها مفوضين تأويلها الحقيقي إلى الله. وأزلية هذه الأحرف ما انفكت -على سائر الأقوال- تحيطها بالسرية، وسريتها تحيطها بالتفسيرات الباطنية, وتفسيراتها الباطنية تخلع عليها ثوبا من الغموض لا داعي إليه, ولا معول عليه.

وأدخل تلك الآراء في معنى الغموض قول من عد هذه الحروف على حساب "الجمل" ليستنبط منها مدة بقاء الأمة الإسلامية، أو التنبيه على كرامة شخص أو شيعة معينة.

فها هو ذا السهيلي يقول: لعل عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر للإشارة إلى بقاء هذه الأمة، وها هو ذا الخويبي2 يروي أن بعض الأئمة استخرج من قوله تعالى: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ} أن بيت المقدس يفتحه المسلمون في سنة ثلاثة وثمانين وخمسمائة، ووقع كما قال3. ويروي العز بن عبد السلام أن عليا رضي الله عنه استخرج واقعة معاوية من {حم عسق} 4 ورأى بعض الشيعة في مجموعة هذه الفواتح إذا حذف المكرر فيها ما يفيد أن "صراط علي حق نمسكه" فيرد عليهم بعض السنين الظرفاء بخطاب مستنبط من الفواتح نفسها بحروفها ذاتها غير المكررة "صح طريقك مع السنة"5. وهذا النوع من الاستخراج الحسابي يعرف باسم "عد أبي جاد" وقد شدد العلماء في إنكاره والزجر عنه، وابن حجر العسقلاني6

طور بواسطة نورين ميديا © 2015