وحده لا شريك له منزها عن كل ما يصفون وما يخترعون1.
وحين ننتقل الآن إلى سورة "الكهف" لا مفر لنا من الإيجاز الشديد، والاستغناء في أكثر المواطن بالتلويح عن التصريح، لأننا نواجه سورة طويلة من عشر ومئة آية, ونلاحظ في آياتها نفسها انسيابا وطولا وإطنابا إلا في مقاطع قليلة، فضلا على ما يتلى في أوائلها وأواسطها, وأواخرها من قصص ديني يكاد يستغرق ثلثيها، وفضلا على ما يتخلل هذا القصص أو يعقبه من تعليق أو تذييل أو تفسير.
وربما بدت لنا سورة "الكهف" إحدى السور التي تفسح المجال لتفصيل الحديث عن خضوع القصة في القرآن للغرض الديني، ولكننا لن نعرض لهذا التفصيل إلا بقدر مخافة الذهاب باستطرادنا بيعدا عن غايتنا الأساسية في هذا الفصل، إذ يعنينا منه تقصي الخطوات التي مرت بها الدعوة الإسلامية في مكة ثم في المدينة، ولا ريب أن تقصي هذه الخطوات لا يسمح لنا -حتى في السور التي اخترنا تحليلها- باستطراد مفصل ولا تعقيب طويل.
تهدف سورة "الكهف" -كجميع السور المكية ولا سيما في هذه المرحلة الثالثة الأخيرة- إلى بناء العقيدة بناء سليما في إثبات الوحدانية، والفصل الواضح بين ذات الخالق وذات المخلوق، وكشف الحجب عن ظاهرة الوحي وأسرارها المعجزة العجيبة. ولا حاجة بنا إلى التصريح بمقاطع السورة وآياتها الناطقة بهذه الحقائق, فإنها تنبئ عن نفسها ولو اكتفى القارئ بإلقاء نظرة عجلى إليها. وحسبك في بدايتها أن هذا القرآن أنزل غير ذي عوج لتبشير المؤمنين الموحدين وإنذار الذين قالوا: اتخذ الله ولدا2، وفي نهايتها أن محمدا صلى الله عليه وسلم يؤمر بتوضيح الفرق الذي لا يتناهى بين آفاقه البشرية