بمنطق الفطرة نشأتهم الآخرة، ألم يكن الإنسان ماء رقيقا مهينا؟ ألم يتحول هذا الماء دما متجمدا عالقا بجدران الرحم؟ أولم يتطور في هذا القرار المكين حتى أضحى جنينا به خصائص الذكر أو خصائص الأنثى؟ فهل يعجز عن إحيائه من خلقه من العدم؟ وهل يتركه خالقه الحكيم سدى؟ ألا تنطق الفطرة السليمة بوجوب البعث والنشور، وثواب المتقين وعقاب الفاجرين؟ 1.

وفي سورة "المرسلات" نمط خاص فريد في تصوير أجمل مشاهد الدنيا وأعنف مشاهد الآخرة، وأصدق حقائق الكون وأعمق أغوار النفس، في مقاطع شافية الفواصل، متعددة الأنغام، مصحوبة بقوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين} يتكرر فيها عشر مرات كأنه لازمة الإيقاع، وتجيء هذه المقاطع، بسماتها الحادة العنيفة، متناسقة كل التناسق مع مطلع السورة الرهيب الذي أقسم الله فيه بالملائكة المرسلات على أن وعده بالآخرة واقع لا ريب فيه.

وفي القسم بالمرسلات غموض ملحوظ يتناسق مع عالم الغيب المقسم عليه، فكل ما فيه مغيب مجهول، وقد اخترنا أنهن الملائكة مخافة الخوض -في هذه العجالة- في الخلاف الطويل المشهور, فقد أقسم الله -وهو بقسمه أعلم- بالملائكة اللاتي يرسلهن متتابعات، فيعصفن عصف الرياح وهن بأمره ماضيات، فينشرن في الأرض شرائعه, ويفرقن بإذنه بين الحق والباطل بما يلقين إلى أنبيائه من وحي فيه إعذار إلى الخلق وإنذار2!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015