قسم رشيق أنيق بمشاهد من الكون خلعت عليها الحياة، وقذفت فيها الروح: فبالكواكب التي تجري في السماء ثم تعود للتوارى في أفلاكها كأنها الظباء تعدو رشيقة ثم ترجع إلى كنسها فتختبئ فيها وتلتمس الراحة بعد العدو الشديد، وبالليل الذي لف الكون بسواده حتى بات لا يرى نفسه ولا يبصر دربه، فهو يتخبط في سراه تخبط الأعشى، ويجس بيده كل شيء في الظلام مجسة الأعمى، وبالصبح الذي ولد بعد ذهاب الليل, فأبصر النور وتحرك، وتفتح قلبه للحياة فخفق وتنفس, بهذه المشاهد الكونية الحية أقسم الله: أن لا دخل لمحمد في الوحي، فإنما يلقنه إياه -بأمر ذي العرش- ملك كريم، له من القوة ما يمكنه من حمل أمانة السماء إلى أهل الأرض, وله من المكانة ما يجعله مطاعا من الملائكة جميعا في الملأ الأعلى.

وبهذه المشاهد الحية أيضا أقسم الله: إن محمدا أمين على الوحي، راجح العقل، وقد صاحبه أهل مكة أربعين عاما قبل البعثة فعرفوه وسموه الصادق الأمين، وها هو ذا الآن يخبرهم بأنه رأى ملك الوحي بعينيه في الأفق الواضح المبين الذي لا يزيغ عنده البصر ولا يطغى1، فكيف يظنون به الظنون؟ وكيف يزعمون أنه مجنون تتنزل عليه الشياطين؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015