أنزلت ليلا. روى الطبراني1 عن أبي مريم الغساني قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ولدت لي الليلة جارية، فقال: "والليلة أنزلت علي سورة مريم، سمها مريم" 2. وأول سورة الفتح نزلت ليلاً، ففي البخاري من حديث عمر: "لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"، فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} 3. وأول سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} نزل ليلا في غزوة بني المصطلق، وهم حي من خزاعة، والناس يسيرون4.

ويوشك أحدنا -إذا جعل الروايات الصحيحة عمدته- أن يستحضر النازل القرآني في أي جزء من الليل كان؛ في وسطه أم أوله أم آخره، وإني لأتمثل هذه اللحظة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح حين نزل عليه -كما في الصحيح- قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} 5، ثم أتمثله صلوات الله عليه في خيمة من أدم وقد بات نفر من أصحابه على باب الخيمة يحرسونه، فلما أن كان بعد هزيع من الليل أنزل الله عليه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} 6. وأتمثله أخيرا عند السيدة أم سلمة أم المؤمنين وقد بقي من الليل ثلثه7 حين نزلت عليه آية الثلاثة الذين خلفوا8.

ولقد تكون الليلة شاتية، ويكون البرد فيها شديدا، فلا يفوت الراوي أن يصفها لنا إرهاصا لذكر الآيات التي نزلت في هذا الجو المكفهر، فما من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015