وبعد أن تتعاقب الآيات في حق هذا الرجل وحق من شاركه في تلك المقالة من أهل الكتاب, يتجه السياق القرآني إلى آية جديدة في مقطع جديد يدور الحديث فيه حول أداء الأمانات إلى أهلها. فيقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 1، وإنما نزلت هذه الآية -كما يقول المفسرون- في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري حاجب الكعبة لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه2، وما دامت هذه الآية قد نزلت في الفتح وتلك نزلت في قصة كعب بن الأشرف عقب بدر، فإن بينهما ست سنين، فلم جعلت هذه إلى جنب تلك؟ ولم قفي هذا الموضوع بذلك رغم الفاصل الزمني البعيد؟!.
إن العلماء المحققين ليجدون الرابط المشترك بين هذين المقطعين، فيكادون يستخرجون منهما موضوعا واحدا محكم البناء، متلاحم الأجزاء، آخذا بعضه بأعناق بعض، إذ يرون مثلا أن الذين تملقوا عواطف المشركين وقالوا لهم: أنتم أهدى من الذين آمنوا سبيلا، هم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم بعث النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، وقد أخذت عليهم المواثيق ألا يكتموا تلك الأمانة فخانوها ولم يؤدوها، وكانت حالهم في الخيانة كحال الذين يحملون الأمانات ثم لا يحملونها، وناسب أن يدعوا ويدعى معهم كل إنسان إلى استشعار معنى الأمانة في كل ما كان عنه مسئولا3.
لعل المفسرين إذن لم يبالغوا حين قدموا أحيانًا ذكر المناسبة بين الآيات على معرفة سبب نزولها، كلما رأوا هذه المناسبة هي المصححة لنظم الكلام، ولعلهم بلغوا ذروة التحقيق العلمي حين أوجبوا البداءة بذكر سبب النزول