وبقبول خبر الصحابي الذي شهد التنزيل، والتابعي الذي أخذ عنه الصحابي، فهم أن الغرض من اشتراط صحة الرواية التحقق من وقوع المشاهدة أو السماع للحادثة أو السؤال الذي كان سبب نزول شيء من القرآن.

ولعل التحقق من هذه الوقائع جميعا هو الذي حمل العلماء على أن يحصروا الوسيلة لمعرفة سبب النزول في الرواية الصحيحة، مستبعدين فيها كل محاولة شخصية لإبداء الرأي أو الاجتهاد في مثل هذا الموضوع. وإلى هذا أشار الواحدي بقوله: "ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب, وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب"1. ثم عرض الواحدي بعد ذلك صورة من تحرج السلف الصالح في القول بأسباب النزول مخافة الكذب على القرآن بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ثم أخذ على العلماء في زمانه تساهلهم في رواية هذه الأسباب، كأنهم لا يلقون بالا إلى الوعيد الذي أنذر الله به كل من افترى على الله كذبا، فقال مستاء متألما: "وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا، ويختلق إفكا وكذبا, ملقيًا زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية"2!

ولكيلا نسلك في عداد أولئك المخترعين في الدين، الخائضين في الإفك المبين، نعترف -كما ندعو علماء عصرنا- إلى الاعتراف بأننا جميعا مهما نجد في طلاب الروايات الصحيحة التي توصلنا إلى أسباب نزول الكتاب، لن يكون في وسعنا أن نجمع الآيات كافة التي وقع نزولها بعد أسئلة أو أسباب, فذلك يلجئنا إلى وضع تصانيف كثيرة تحيط بهذه المعلومات الدقيقة الواسعة بعد تمحيص كل ما ورد فيها من متون وأسانيد.

ولقد تعرضت تصانيف القدامى أنفسهم في أسباب النزول للنقد الشديد، رغم ما اتسم به مؤلفوها من الورع البالغ والحذر العلمي الأمين، فلن يكون نقد ما نقوله اليوم إلا أشد وأقسى، ولن يكون المأخذ علينا إلا أمرَّ وأنكى!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015