وإذ كان بحثنا عن أسباب النزول خاصة، فإننا لن نعرض لما أنزله الله ابتداء غير مبني على سبب من سؤال أو حادثة، كأكثر الآيات المشتملة على قصص الأمم الغابرة مع أنبيائها، أو وصف بعض الوقائع الماضية أو الأخبارية الغيبية المستقبلة، أو تصوير قيام الساعة أو مشاهد القيامة أو أحوال النعيم والعذاب، وهي في القرآن كثيرة أنزلها الله لهداية الخلق إلى الصراط المستقيم، وجعلها مرتبطة بالسياق القرآني سابقة ولاحقة، من غير أن تكون إجابة عن سؤال أو بيانا لحكم شيء وقع. قال السيوطي: "والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه، ليخرج ما ذكره الواحدي في تفسيره في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به، فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية، كذكر قصة نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك، وكذلك ذكره في قوله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} سبب اتخاذه خليلا، فليس ذلك من أسباب النزول كما لا يخفى"1.

فبحثنا إذن ينحصر في معرفة "ما نزلت الآية أو الآيات بسببه متضمنة له أو مجيبة عنه أو مبينة لحكمه زمن وقوعه"، وهو ما عبرنا عنه بـ"سبب النزول".

وهذا التعريف الذي اصطلحنا عليه يستلزم قسمة ثنائية لآيات القرآن، لبعضها علاقة بأسباب النزول، وليس لبعضها الآخر أية علاقة بهذه الأسباب, فما نقل عن علي وابن مسعود وغيرهما من علماء الصحابة من أنه "لم تنزل آية إلا علم أحدهم فيما نزلت، وفيمن نزلت, وأين نزلت"2 ينبغي ألا تؤخذ بمعناه الحرفي حتى ولو أقسم أحدهم على هذا3، فإما أنهم يريدون به -على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015