قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] كما قال المشركون من العرب عن الملائكة، {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ، أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [الزخرف: 15- 17] .
الحقيقة السادسة:
إن الحياة الدنيا بمباهجها وزينتها وأموالها وطاقاتها {مَا عَلَى الْأَرْض} الهدف من خلقها وإيجادها هو ابتلاء البشر، ومآلها الزوال والفناء فمن أحسن التصرف فيها وربطها بالحقائق الباقية الخالدة وسخرها للعمل الصالح فقد فاز {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] .
أما من جعل هذه الحياة الدنيا مبلغ علمه وغاية مقصده، فقد سقط في الفتنة وخسر خسرانًا مبينًا.
فلا يستحق من لم يرفع لدعوة الحق رأسه، الحسرة والتأسف عليه فمن ربط نفسه ومصيره بمصير الدنيا وجعلها دائرة اهتمامه، فقد أضاع نفسه، ومن لم يرحم نفسه فلا راحم له.
وفي ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يهمه أمر القوم وتكاد تذهب نفسه حسرات عليهم، كما قال تعالى في موضع آخر مسليًا رسوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8] .
وهذا الشعور من كمال شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فهو الأخذ بحجزهم من النار1. إلا أن حكمة الله سبحانه وتعالى جرت بترك الخيار للمكلفين لتتحقق.