فهذا الحديث والآيات قبله فيها الرد الواضح الصريح على المعتزلة القائلين بأن كلام الله مخلوق لأن كلام الله صفة من صفاته، وصفاته كذاته ليس شيء من ذلك مخلوق والذي حمل المعتزلة على القول بأن القرآن مخلوق منفصل عن الله ـ تعالى ـ خلقه في غيره.

قالوا: "إنما قلنا ذلك لأنا إنما استدللنا على حدوث العالم بحدوث الأجسام، وإنما استدللنا على حدوثها بقيام الحوادث بها وأن ما لا ينفك عن الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها فلو قلنا إنه تقوم به الصفات والكلام لزم قيام الحوادث به لأن هذه الأعراض حادثة".

وهذا الكلام المحدث المبتدع جعلوه أصلاً لهم في نفي صفات الله ـ تعالى ـ وظنوا أنهم ينصرون به الإسلام، ويضرون به أعداءه، ولكن لا الإسلام نصروا ولا أعداءه كسروا وإنما النتيجة التي حصلت لهم من وراء هذا الأصل الباطل أن سلطوا على أنفسهم علماء الشرع والعقل، فعلماء الشرع قالوا لهم: إنكم خالفتم بقولكم هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلماء الفلسفة قالوا لهم: إنكم خالفتم بقولكم هذا المعقول رغم أن المعتزلة أعرف من الفلاسفة بعلوم الدين وأولئك أجهل منهم بالشرع والعقل في الإلهيات، ففتحوا على أنفسهم مدخلاً دخلوا عليهم منه، ونقموا عليهم بسبب مخالفتهم للعقل1.

وأما استدلال المعتزلة على خلق القرآن بقوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 2.

ويقولون: "إن القرآن داخل في عموم "كل" لأنه شيء فيكون مخلوقاً فهذا مما يعجب له العقلاء، إذ أنهم يزعمون أن أفعال العباد غير مخلوقة لله ـ جل وعلا ـ وإنما يخلقها العباد جميعها لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم "كل"، وأدخلوا كلام الله في عمومها مع أنه صفة من صفات الله ـ تعالى ـ به تكون الأشياء المخلوقة إذ المخلوقات تكون بأمره ـ سبحانه ـ كما تقدم ذلك، ومن قال: بأن صفات الله ـ تعالى ـ مخلوقة كالعلم والقدرة وغيرهما فهذا من الكفر الصريح لأن علمه ـ تعالى ـ شيء وحياته شيء وقدرته شيء،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015