وعلم وتهذيب على أحد، ولم يراعوا في الحكم والإمارة والفضل نسباً ولوناً ووطناً، بل كانوا سحابة انتظمت البلاد وعمت العباد، وغوادي مزنة أثنى عليها السهل والوعر وانتفعت بها البلاد والعباد على قدر قبولها وصلاحها (?) .
في ظل هؤلاء وتحت حكمهم استطاعت الأمم والشعوب - حتى المضطهدة منها في القديم- أن تنال نصيبها من الدين والعلم والتهذيب والحكومة، أن تساهم العرب في بناء العالم الجديد بل إن كثيراً من أفرادها فاقوا العرب في بعض الفضائل، وكان منهم أئمة هم تيجان مفارق العرب وسادة المسلمين من الأئمة والفقهاء والمحدثين، حتى قال ابن خلدون: ((من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم، لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية (?) ، إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته، فهو عجمي في لغته، ومرباه ومشيخته، مع أن الملة عربية، وصاحب شريعتها عربي (?)) . ونبغ من هذه الأمم في عصور الإسلام قادة وملوك ووزراء وفضلاء، هم نجوم الأرض ونجباء الإنسانية، وحسنات العالم، فضيلة ومروءة وعبقرية وديناً وعملاً، لا يحصيهم إلا الله.
رابعاً: أن الإنسان جسم وروح، وهو قلب وعقل وعواطف وجوارح، لا يسعد ولا يفلح ولا يرقى رُقياً متزناً عادلاً حتى تنمو فيه هذه القوى كلها نمواً متناسباً لائقاً بها، ويتغذى غذاء صالحاً، ولا يمكن أن توجد المدنية الصالحة البتة إلا إذا ساد وسط ديني خلقي عقلي جسدي يمكن فيه للإنسان بسهولة أن يبلغ كماله الإنساني، وقد أثبتت التجربة أنه لا يكون ذلك إلا إذا كانت قيادة الحياة وإدارة دفة المدنية بيد الذين يؤمنون بالروح والمادة، ويكونون
أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية،