أطاع الله فيهم فإن عصى الله فلا طاعة له عليهم وأصبح شعار الحكم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " وأصبحت الأموال والخزائن التي كانت طعمه للملوك والأمراء ودولة الأغنياء مال الله الذي لا ينفق إلا في وجهه ولا يخرج إلا في حقه وأصبح المسلمون مستخلفين فيه، والخليفة كولي اليتيم إن استغنى استعف وإن افتقر أكل بالمعروف، وأصبحت الأرض التي اغتصبها الملوك والأمراء يفسحونها لمن يشاؤون ويضيقونها على من يشاؤون، ويقطعها بعضهم بعضاً كما يقطع الثوب، وأصبحت أر الله التي من ظلم قيد شبر من طوقه من سبع أراضين.

حلول الرسول محل الروح والنفس من المجتمع:

وكان المجتمع البشري قد فقد نشاطه وأريحيته في الحياة وفي كل ما يأتي ويذر وكان مجتمعاً مرهقاً مخنوقاً، فكان مدفوعاً إلى ساحة الحرب من غير أن ينشط أو يتحمس لأغراض أولي الأمر، وكان مدفوعاً إلى الصلح ولم يقض من الحرب وطراً ولم يشف نفسه، وكان الرجال في هذا المجتمع يرغمون على التضحية والإيثار ومكابدة المتاعب ومعاناة الأمور الشاقة من غير هوى ومن غير وجدان ومن غير عاطفة، لا يحبون القادة ولا يحبهم القادة فكانوا مرغمين على أن يطيعوا من لا يحبونه ويفدوا بأرواحهم وأموالهم من يبغضونه. فانطفأت جمرة القلوب وبردت العواطف ونشأ الناس على النفاق ولرياء والختل ونشأت النفوس على الذل وتحمل الضيم والصغار.

كانت العاطفة القوية- التي يرجع إليها الفضل في غالب عجائب الإنسانية ومعظم الآثار الخالدة في التاريخ، تلك التي يسميها الناس (الحب) - تائهة ضائعة، لم يظهر منذ قرون من يشغلها ويستثمرها فضاعت في ألوان الجمال الزاهية والمظاهر الخلابة الفانية مما تغنى به الشعراء قديماً وحديثاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015