ومفاسده الخلقية، وبسن القوانين الشديدة والعقوبات الصارمة (?) لا تهجره إلا بتغيير نفس عميق، وإذا أرغمت على تركه بغير هذا التغيير تسللت إلى غيره من أنواع الجريمة واستباحته بتغيير الأسماء والصور.
لم يكن الرسول رجلاً إقليمياً أو زعيماً وطنياً:
وكان مجال العمل في بلاد العرب فسيحاً إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً إقليمياً وسار في قومه سيرة القادة السياسيين والزعماء الوطنيين، كان له أن يعقد للأمة العربية لواء تنضم إليه قريش والقبائل العربية، ويكوِّن إمارة عربية قوية موحدة يكون رئيسها، ولاشك أن أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وغيرهما كانوا في مقدمة من ينضم إلى هذا اللواء القومي، ويقاتلون تحته ويقلدونه الزعامة. أما كانوا يشهدون بصدقه وأمانته؟ أما حكموه في أكبر حادث من حوادث حياتهم المكية ومنحوه أكبر شرف، إذ حكموه في وضع الحجر الأسود في مكانه من البيت؟ أما قالوا له على لسان عتبة، وهم ما عرفوا الإغراء السياسي: ((إن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت (?)) ، وإذا صار له ذلك كان يمكنه أن يرمي الدولة الفارسية بفرسان العرب وشجعانهم، وينتصر للعروبة المهضومة، وينتصر من العجم الظالمين، ويغرز علم الفتح العربي والمجد القومي على هضاب الروم وفارس، وإذا لم يكن من حكمة السياسة أن يناجز إحدى الإمبراطوريتين في ذلك الحين، فكان يمكنه أن يغير على اليمن أو الحبشة أو جارة أخرى ويصمها إلى الإمارة العربية الوليدة.
وكانت في الحياة العربية نواح اجتماعية واقتصادية كثيرة تحتاج إلى حنكة