بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟
لم يكن انحطاط المسلمين أولاً، وفشلهم وانعزالهم عن قيادة الأمم بعد، وانسحابهم من ميدان الحياة والعمل أخيراً، حادثاً من نوع ما وقع وتكرر في التاريخ من انحطاط الشعوب والأمم، وانقراض الحكومات والدول، وانكسار الملوك والفاتحين، وانهزام الغزاة المنتصرين، وتقلص ظل المدنيات. والجزر السياسي بعد المد. فما أكثر ما وقع مثل هذا في تاريخ كل أمة. وما أكثر أمثاله في تاريخ الإنسان العام! ولكن هذا الحادث كان غريباً لا مثيل له في التاريخ. مع أن في التاريخ مثلاً وأمثلة لكل حادث غريب.
لم يكن هذا الحادث يخص العرب وحدهم، ولا يخص الشعوب والأمم التي دانت بالإسلام، فضلاً عن الأسر والبيوتات التي خسرت دولتها وبلادها، بل هي مأساة إنسانية عامة لم يشهد التاريخ أتعس منها ولا أعم منها. فلو علم العالم حقيقة هذه الكارثة، ولو عرف مقدار خسارته ورزيته، انكشف عنه غطاء العصبية، لاتخذ هذا اليوم النحس - الذي وقعت فيه يوم عزاء ورثاء، ونياحة وبكاء، ولتبادلت شعوب العالم وأممه التعازي، ولبست الأمة ثوب الحداد، ولكن ذلك لم يتم في يوم، وإنما وقع تدريجياً في عقود من السنين، والعالم لم يحسب إلى الآن الحساب الصحيح لهذا الحادث، ولم يقدره قدره، وليس عنده المقياس الصحيح لشقائه وحرمانه.
إن العالم لم يخسر شيئاً بانقراض دولة ملكت حيناً من الدهر. وفتحت مجموعاً من البلاد والأقاليم. واستعبدت طوائف من البشر. ونعمت وترفهت.
نظرة في الأديان والأمم:
أصبحت الديانات العظمى فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المحرفين والمنافقين، حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأولون لم يعرفوها، وأصبحت مهود الحضارة
الثقافة والحكم والسياسة مسرح الفوضى والانحلال والاختلال وسوء النظام، وعسف الحكام، وشغلت بنفسها، لا تحمل للعالم رسالة ولا للأمم دعوة، وأفلست في معنوياتها، ونضب معين حياتها، لا تملك مشرعاً صافياً من الدين السماوي، ولا نظاماً ثابتاً من الحكم البشري.