ثالثاً- كانوا في أحسن مركز للقيادة العالمية. كانوا في شبه جزيرة البلقان بحيث يشرفون منها على آسيا وأوربا، وكانت عاصمتهم واقعة بين البحرين الأسود والأبيض، وواصلة بين البرين آسيا وأوربا، فكانت خير عاصمة لأكبر دولة تحكم على آسيا وأوربا وأفريقية، حتى قال نابليون: ((لو كانت هناك دولة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها)) .
وكانت أوربا لها الخطر الكبير والشأن العظيم في المستقبل القريب، تزخر فيها القوى الحيوية وتجيش فيها صدورها عوامل الر قي، فكان في استطاعة الترك- لو وفق الله- أن يتقدموا في ميدان العلم والعقل ويسبقوا أمم أوربا النصرانية ويصبحوا أئمة العالم يقودونه إلى الحق والهدى قبل أن تملك أوربا زمام العالم وتقوده إلى النار والدمار.
انحطاط الأتراك في الأخلاق وجمودهم في العلم وصناعة الحرب:
ولكن من سوء حظ المسلمين- فضلاً عن سوء حظ الأتراك- أخذ الترك في الانحطاط والتدلي ودب إليهم داء الأمم من قبلهم: الحسد والبغضاء واستبداد الملوك وجورهم وسوء تربيتهم وفساد أخلاقهم وخيانة الأمراء وغشهم للأمة وإخلاد الشعب إلى الدعة والراحة، إلى غير ذلك من أخلاق الأمم المنحطة مما هو مبين في كتب التاريخ التركي، وليس هذا موضع تفصيله، وكان شر ما أصيبوا به الجمود في العلم والجمود في صناعة الحرب وتنظيم الجيوش، وقد نسوا قول الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ} الخ. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها)) ، وكان خليقاً بهم- لحرج مركزهم السياسي والجغرافي، وقد أحاطت بهم الدول الأوربية إحاطة السور بالمعصم - أن يجعلوا وصية القائد الإسلامي الكبير عمرو بن العاص رضي الله عنه للمسلمين في مصر نصب أعينهم: ((واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم وتشوف قلوبهم إليكم وإلى داركم)) ولكن الترك وقفوا وتقدم الزمان، وتخلفوا وسبقت الأمم الأوربية.