كان في عصره من قوة العلم، فقد كانت المدافع حينئذ حديثة العهد بالإيجاد، فأعمل في تركيب أضخم المدافع التي يمكن تركيبها يومئذ وانتدب مهندساً مجرياً ركب مدفعاً كان وزن الكرة التي يرمي
بها 300 كيلو جرام، وكان مدى مرماه أكثر من ميل، وقيل: إنه كان يلزم لهذا المدفع 700 رجل ليتمكنوا من سحبه، وكان يلزم له نحو ساعتين من الزمن لحشوه، ولما زحف محمد الفاتح لفتح القسطنطينية كان تحت قيادته ثلاثمائة ألف مقاتل، ومعه مدفعية هائلة، وكان أسطوله المحاصر للبلدة من البحر (120) سفينة حربية، وهو الذي- من قريحته- تصور سحب جانب من الأسطول من البر إلى الخليج وأزلق على الأخشاب المطلية بالشحم (70) سفينة أنزلها في البحر من جهة قاسم باشا (?)) .
مزايا الشعب التركي:
وقد تفرد الشعب التركي المسلم تحت قيادة آل عثمان بمزايا اختص بها من بين الشعوب الإسلامية يومئذ واستحق بها زعامة المسلمين:
أولاً- أنه كان شعباً ناهضاً متحمساً طموحاً فيه روح الجهاد، وكان سليماً- بحكم نشأته وقرب عهده بالفطرة والبساطة في الحياة- من الأدواء الخلقية والاجتماعية التي أصابت الأمم الإسلامية في الشرق في مقتلها.
ثانياً- أنه كان متوفراً لديه القوة الحربية التي يقدر بها على بسط سيطرة الإسلام المادية والروحية، ويرد بها غاشية الأمم المناوئة وعاديتها، ويتبوأ بها قيادة العالم، فقد بادر العثمانيون في صدر دولتهم لاستعمال المعدات الحربية وخصوصاً النارية منها واهتموا بالمدافع وأخذوا بالحديث الأحدث من آلات الحرب، عُنوا بفن الحرب وتنظيم الجيوش وتعبئتها حتى صاروا في صناعة الحرب أئمة بغير نزاع، والمثل الكامل والقدوة لأوربا.