عندهم من قوة وكفاية ونصيحة، وكان كل يعلم أن صلاح الدين سيد الجميع وأميرهم، وكان قلب واحد وإرادة واحدة تسيطر عليهم في أزمات مختلفة وساعات عصيبة وحروب طاحنة، هو قلب صلاح الدين القوي وإرادته الحديدية)) اهـ.
فقر القيادة في العالم الإسلامي بعد صلاح الدين:
مات صلاح الدين بعدما قضى مهمته إلى حد بعيد، وانجلى الخطر القريب العاجل الذي كان يهدد كيان الإسلام ومركزه، وتراجع سيل الصليبيين وقد تعلموا دروساً مفيدة ودرسوا جوانب الضعف والقوة في كلتا الجبهتين، رجعوا ليستعدوا للصليبية الجديدة في القرن التاسع عشر المسيحي، وعاد المسلمون إلى سيرتهم الأولى من انقسام وتنافس، وتطاحن وغفلة، ولم يرزق العالم الإسلامي بعد ذلك قائداً مخلصاً للإسلام، مؤثراً لمصلحته على هواه، متجرداً للجهاد، محبباً تجتمع حوله القلوب مثل صلاح الدين الذي استطاع بحول الله وقوته وبمواهبه العظيمة أن يدحر أوربا كلها، ويحفظ للإسلام ملكه وشرفه، وعم لانحطاط في العالم الإسلامي واستفحل مع الأيام.
نتائج القرون المنحلة:
وظلت خلية الإسلام تعمل في أدوار الانحطاط أيضاً، ويظهر من الملوك والفاتحين أفراد هم أنموذج الصحابة والسلف الصالح في سيرتهم وأخلاقهم، في دينهم وتقواهم، وينهض في العالم الإسلامي رجال يتجمل التاريخ بذكرهم.
وكان المسلمون- رغم انحرافهم عن سيرتهم الأولى وطريقهم المثالي- أقرب إلى طريق الأنبياء وأطوع لله من الأمم الجاهلية المعاصرة لهم، وكان وجودهم ودولتهم أكبر عائق للجاهلية في انتشارها وازدهارها، وكانوا رغم نقائصهم أكبر قوة في العالم تهابها الدول، وتحسب لها كل حساب.
انهيار صرح القوة الإسلامية:
ولم تزل تضعف هذه القوة وتهن بدون أن يشعر بذلك الأجانب حتى إذا خضِّدت شوكة المسلمين في القرن السابع لما مزق التتار حكومة خوارزمشاه - المملكة الإسلامية الأخيرة- وسقطت بغداد في أيديهم زال ذلك الشبح المخيف