الناس إلا بمقدار ما فيه من الوحي المحفوظ والعلم المعصوم، ولم يكن ضامناً لسعادة الدنيا والآخرة، ولم يكن حقيقاً بأن تخضع له العقول وينجذب إليه الناس.

إنكار الدين على المسلمين وإهابته بهم:

ولا يغربن عن البال أن الدين لم يزل طول هذه المدة حياً محفوظاً من التحريف والتبديل، مهيباً بالمسلمين ناعياً عليهم انحرافهم عن طريقه، ولم يزل مناره عالياً وضوءه مشرقاً {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ولم يزل الكتاب والسنة يبعثان في نفوس القراء ثورة على الشرك والبدع، وعلى الجهالة والضلالة وثورة على أخلاق الجاهلية وعوائدها، وثورة على ترف المترفين واستبداد الملوك، ولم يزل ينهض بتأثيرهما في كل دور من أدوار التاريخ الإسلامي، وفي كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي رجال يقومون في هذه الأمة على طريق الأنبياء، يجددون لها أمر دينها، وينفخون فيها روح الجهاد، ويفتحون لها باب الاجتهاد، ويسعون لإقامة حكومة إسلامية على منهاج الخلافة الراشدة، فمنهم من استشهد في هذه السبيل، ومنهم من استطاع أن يمثل دوراً قصيراً يذكر بالخلافة الراشدة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} وهم مصداق الحديث الشريف: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله)) فتاريخ الجهاد والتجديد في الإسلام متصل لا تقطعه فترة، ومشاعل الإصلاح متسلسلة بعضها من بعض لم تطفئها العواصف (?) .

حسن بلاء العالم الإسلامي في القرن السادس:

في القرن السادس الهجري منَّ الله على العالم الإسلامي- الذي بدت عليه أمارات الضعف والشيخوخة بعد السلاجقة وتوزعه ملوك وأمراء في الأنحاء- بقادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015