الحديث عن أسطورة نسرٍ إسلامي عملاق، انطلق من سماء تونس الصافية، ليخترق بجناحيه حاجز الزمان والمكان، إننا نتكلم عن سيرة رجلٍ من أعظم العظماء، وأفصح الخطباء، وأنبل الشرفاء، إنه زعيم تونس الخضراء: القائد البطل عبد العزيز الثعالبي.
ليس عندي مثقال ذرة من خردل من شكٍ أنه لو كان في زماننا عشرة فقط من نفس طينة هذا القائد العظيم، لتغير وضع المسلمين رأسًا على عقب! فالثعالبي كان رجلًا بأمة، حمل على عاتقه مسؤولية إعادة مجد الإسلام، من دون أن ينتظر مساعدة من أي إنسان، فلقد كان الثعالبي يسافر بين قفار الأرض وبحارها وكأنه أحد الرَّعين الأول من الصحابة البواسل الذين طافوا فيافي الأرض نشرًا لدعوة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهيا بنا لنسبر معًا أغوار هذه الأسطورة الإسلامية الحية. . . . .
والبداية تبدأ في يومٍ من أيام سنة 1881 م، حينها افتقدت إحدى الأمهات التونسيات طفلَها الصغير، فأخذت تفتش عليه في شوارع مدينة "تونس" العاصمة، حتى وجدته جالسًا لوحده على الرمال الناعمة لشواطئ تونس، فما إن رأت تلك المرأة الصالحة طفلها الذي لم يتجاوز السابعة من عمره حتى هرعت إليه لتضمه إلى صدرها بلهفة الأم، ولكنها تعجبت من دموعه الغزيرة التي تبلل قسمات وجهه الصغير! عندها ظنت الأم أن أحدًا من الأطفال قام بضرب صغيرها، فسألته عن سر بكائه، فنظر الطفل الصغير إلى أمه والدموع تتساقط من عينيه ليقول لها بصوتٍ ملائكي: "يا أمي. . . لم يضربني أحد، ولكن ألا ترين الفرنسيين يدخلون إلى بلادنا؟! إنهم يحتلون تونس. . . . ولن يرحلوا عنها إلا إذا حاربناهم! ". كانت هذه اللحظة الإنسانية الفارقة في حياة هذه الطفل ذي السبع سنوات، هي لحظة ميلاد جديدة لأسطورة القائد المجاهد عبد العزيز الثعالبي، فمنذ ذلك الموقف الذي مر به في طفولته، حمل عبد العزيز همَّ تحرير تونس من الفرنسيين، ليتحول هذا الطفل الشجاع إلى شابٍ مناضل حمل راية الكفاح في بلاده ضد جنرالات فرنسا، والذين احتلوا تونس بنفس الحجة المستهلكة التي يستخدمها الغزاة في كل زمان: "نشر الحضارة والقضاء على الرجعية! " ولكن الشيء الذي لا يعرفه الكثيرون منا أن تونس في ذلك الوقت كانت بلادًا مزدهرة علميًا وحضاريًا، فقد كانت تونس في ذلك الوقت قد خطت خطوات ثابتة إلى الحضارة والعمران على يد (خير الدين التونسي) و (الشيخ محمود قابادو) وآخرين. لكن ذلك لم يدم إذ سرعان ما سقطت البلاد في