فلما رأى شباب القبائل العربية الأخرى ذلك، غاروا منهم، فهبوا على صفوف الفرس يدكّونها دكًا، ليتطاير شرر السيوف في عتمة الليل، فعلت سحابة من الغبار فوق سماء المعركة، ولم يعلم بقية المسلمين مصير أولئك الفدائيين حتى جاء الفجر، فرأوا شباب الإسلام يرجعون من هناك وهم يضحكون بعد أن قتلوا آلاف الفرس. هلال بن علفة: وفي اليوم الرابع للقتال والذي عُرف بـ "يوم القادسية"، وأثناء اشتداد القتال بالقرب من البغال التي تحمل مؤونة الجيش الفارسي، تقدم أسد عربي اسمه هلال بن عُلَّفة ليدكدك بسيفه جمامجم الفرس كالأسد في قفاره، وفجأة وعن طريق الصدفة البحتة، طاش سيفه وهو يضرب به، فقطع حملًا من أحمال هذه البغال، فسقط هذا الحمل على الأرض، ليسمع هلال بن علفة صراخًا كصراخ النساء من خلف البغل، ليتفاجأ هلال أن ذلك الصراخ لم يصدر من مرأة، بل كان مصدره رجلًا فارسيًا مختفيًا وراء البغال! فصُعق ذلك الرجل عندما رأى وجهًا عربيًا أمامه، فأخذ يصرخ صراخ النساء ويسرع بالفرار وكأنه رأى وحشًا من وحوش الأرض! فنظر إليه هلال بن علفة مستغربًا من هذا الفزع الذي حلَّ به، ولكنه لاحظ عليه مظاهر الأبهة والعظمة، فقال لنفسه: أهو هو؟! إنه رستم قائد الفرس!!! فلما رآه هلال بن علفة يجري بهذه السرعة وهذه الأبهة التي كانت عليه، قال: لا أفلحت إن نجا! وبالفعل أسرع وراءه حتى يلحق به، ورستم يجري! وتخيلوا معي ذلك المنظر المضحك، فارسٌ عربي بثيابٍ ممزقة يجري خلف قائد الإمبراطورية الفارسية العظمى رستم وهو يهرب كالكلب الطريد لابسًا تاجه الذهبي وثوبه الحريري الأحمر، عندها أخذ رستم يلتفت وهو يجري ويصرخ فيه: "بابيه! " (ومعناها بالفارسية: قِفْ كما أنت!)، ولكن هلالًا ظل يجري وراءه كالأسد المفترس الذي يجري وراء طريدته مصممًا على الظفر بها بمخالبه، فقذفه رستم برمح كان في يده، فأصاب قدم هلال بن علفة فأصابها، فوقع هلال أرضًا من شدة الإصابة، ولكنه في لحظة من الزمن. . . عاد ليقف على رجله المصابة، ليستمر في مطاردة رستم، فقذف رستم نفسه في النهر، وبدأ يعوم، فتحول ذلك الفارس العربي من أسدٍ بري إلى تمساحٍ مائي! فسبح وراءه، ورستم يسبحُ بكل قوته، والتمساح الإسلامي من ورائه، حتى أحس رستم بيدٍ تجذبه من قدمه إلى خارج النهر، لقد كانت هذه يد البطل العربي هلال بن علفة، وهي نفسها اليد التي